هو داود بن ايشا بن عويد بن عابر.. ويتصل نسبه إلى يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام . قال وهب بن منبه : كان داود عليه السلام قصيراً، أزرق العينين، قليل الشعر، طاهر القلب ونقيه . مكنه الله من قتل جالوت، كما في سورة البقرة، فعظم في أعين بني إسرائيل، فأحبوه ومالوا إليه، وولوه ملكاً عليهم . فجمع الله له بين الملك والنبوة، بين خير الدنيا والآخرة، قال تعالى : { وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء .. الآية } .
وأنزل الله عليه الزبور، ورزقه الله صوتاً حسناً عظيماً، تسبح معه الجبال والطيور، وأرشده الله وألهمه لصناعة الدروع لمقاتلة الأعداء . قال تعالى : {ولقد ءاتينا داود منا فضلا ياجبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد} ( ) . وقال تعالى : {واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب (17) إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق(18) والطير محشورة كل له أواب(19) } ( ) . وكان داود عليه السلام يأكل من عمل يده، فكان يصنع الدروع ويبيعها ، قال صلى الله عليه وسلم : ( ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده) ( ) .
ووفق الله داود عليه السلام لعبادة يحبها ، فأحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام إلى الله صيام داود عليه السلام ، قال صلى الله عليه وسلم: ( أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام وأحب الصيام إلى الله صيام داود وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ويصوم يوما ويفطر يوما) ( ) . وكان داود عليه السلام مع عبادته، قوياً شديد البأس لا يفر إذا لا قى عدوه ( ).
عُمّر داود عليه السلام مائة سنة، يؤيد ذلك ما رواه الإمام أحمد بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أول من جحد آدم قالها ثلاث مرات إن الله لما خلقه مسح ظهره فأخرج ذريته فعرضهم عليه فرأى فيهم رجلا يزهر قال أي رب من هذا قال ابنك داود قال كم عمره قال ستون قال أي رب زد في عمره قال لا إلا أن تزيده أنت من عمرك فزاده أربعين سنة من عمره فكتب الله عليه كتابا وأشهد عليه الملائكة فلما أراد أن يقبض روحه قال بقي من أجلي أربعون فقيل له إنك جعلته لابنك داود قال فجحد قال فأخرج الله عز وجل الكتاب وأقام عليه البينة فأتمها لداود عليه السلام مائة سنة وأتمها لآدم عليه السلام عمره ألف سنة) ( ) . وكانت وفاته عليه السلام فجأة ، وقد ذكر قصة وفاته الإمام أحمد في مسنده ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كان داود النبي فيه غيرة شديدة وكان إذا خرج أغلقت الأبواب فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع قال فخرج ذات يوم وغلقت الدار فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار فإذا رجل قائم وسط الدار فقالت لمن في البيت من أين دخل هذا الرجل الدار والدار مغلقة والله لتفتضحن بداود فجاء داود فإذا الرجل قائم وسط الدار فقال له داود من أنت قال أنا الذي لا أهاب الملوك ولا يمتنع مني شيء فقال داود أنت والله ملك الموت فمرحبا بأمر الله فرمل داود مكانه حيث قبضت روحه حتى فرغ من شأنه وطلعت عليه الشمس فقال سليمان للطير أظلي على داود فأظلت عليه الطير حتى أظلمت عليهما الأرض فقال لها سليمان اقبضي جناحا جناحا قال أبو هريرة يرينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف فعلت الطير وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وغلبت عليه يومئذ المصرخية) ( ) . وقوله وغلبت عليه يومئذ المصرخية : أي وغلبت على تظليله الصقور الطوال الأجنحة.